في ذات سنة
حصّة الرّسم مع أطفال في سن السّابعة لا أعتبره أمرا عاديّا ....إذ كنت أجد فيها متعة كبيرة وأنا أشاهد البراءة في تعبير الـأطفال والتلقائية والعفويّة ......وخاصة لمّا أطلب رسما حرّا و أقول " ارسموا ما تريدون " وكان هذا يسعد الأطفال ...فأمّا أنا فلم أكن أتقيّد بالمقرّر الدّراسي... كنت أخرج عنه أحيانا وليس دائما ,,, لمّا أرى في الخروج عنه مصلحة التّلميذ .. فلا أحد أدرى بما يجب أن يكون في الفصل أكثر من المعلّم المباشر ...كما أنّي أؤمن بأنّ الفنّ حريّة فإذا ما وضعنا القيد في معصمه وإن كان من ذهب فإنّ الفنّ يعتلّ ويموت ..... و كنت إذا ما تركت الحريّة للأطفال في الرّسم لم أكن أراقبهم حتّى لا أشوّش لديهم توارد خيالاتهم الخصبة .. ولكي لا أمنح للتّلميذ فرصة قراءة تعابير وجهي حين ا أنظر إلى رسمه... الأمر الذي سيجعله يتقيّد بإرضائي ليرسم أمرا يعجبني ..... وكنت أردّد عليهم " ارسم ما تريد...مهما رسمت فإنّ رسمك صحيح " وأحاول أن أقنعهم بأنّنا لسنا في درس لكن من الصّعب على التّلميذ أن يتقبّل أنّ ما يفعله في قاعة الدّرس هو ليس درسا وإن كان رسما وخاصة و أنّ الرّسم يخضع للامتحان وينال عليه التّلميذ عددا يكون له تأثير على معدّله العامّ..... لم أكن مقتنعة بأن تخضع مادّة الرّسم للامتحان ولإسناد عدد في المرحلة الأولى من التّعليم الابتدائي وذلك لسببين... أوّلهما أنّني لست مدرّسة رسم ولن يكون تقييمي عادلا..... والسّبب الثاني يتعلّق يما يرسمه التّلميذ هو نابع من روحه وتفكيره وظروفه فكيف أسند عددا على الأمر الّذي يخرج عن إرادة الجميع حتى وإن كان الرّسم ليس حرّا ويجمعهم موضوع واحد فإنّ كل ّ الأشياء الّتي ذكرتها ستتدخل في اختياره لحجم المساحة في الورقة واختياره للألوان .....
و كم أنا ضدّ توجيه التّلميذ الصغير في ممارسة الفنّ لأنّ التّوجيه في مثل هذه السنّ يقتل الخلق والإبداع لديه ويعدم روح المبادرة ويطمس لديه الشجاعة في المرور من الخيال إلى الفعل ...وهكذا يكون إنسانا سلبيّا رغم قدراته .
كنت أتمنّى لو أنّ حصّة الرّسم تتمّ بعيدا عن قاعة الدّرس فذلك يعطي للتّلميذ الحريّة ليعبّر حقّا دون قيد وبعيدا عن جدرانٍ طالما حاصرته في بقية الدّروس
وذات يوم قرّرت أن تكون حصّة الرّسم خارج القسم
وخرجت صحبة تلاميذي إلى ساحة المدرسة .... وفي ركن من السّاحة أطلقت لتلاميذي العنان كي يرسموا فوق الأرض ما يشاؤون
وكانت تجربة ممتعة جدّا برغم أنّها أضحكت البعض وسخر البعض الآخر ....ولم أهتمّ بما قيل ويقال .... و هل تراني أهتمّ بما يحدث في الأرض وأنا في السّماء صحبة الملائكة ..؟؟؟
فماذا لو عرفوا ما حدث يوما لمّا طلبت من تلاميذي أن يرسموا ما يريدون .......واذا بتلميذة تأتيني برسمها وتضعه فوق مكتبي... ما إن وقع نظري على الرّسم حتّى تملّكني الاضطراب ... نظرت إليها فكانت تبتسم في براءة شديدة وتنتظر ما سأقول ...
طلبت من الطّفلة الصّغيرة أن تعود إلى مكانها ...عادت وهي تقفز في مرح ....وقبل أن أضع الورقة في محفظتي تسلّل أحد التّلاميذ من مكانه بدافع الفضول وأطلّ على الرّسم
و إذا به ينفجر ضاحكا ,,, أسرعت بإخفاء الصّورة وانتظرت أن يتوقّف عن الضّحك لكنّه تمادى .. وإذا به يدخل في هيستيريا من الضّحك جعلتني اضطرب وأشعر بالخوف ... و تغيّر وجه الطّفل وتصبّب عليه العرق ... وتأكّت أنّ الأمر خرج عن إرادته ......أخذته من يده وتوجّهت به نحو الحنفيّة وجعلت أرشّه بالماء وأغسل وجهه وأحتضنه ...وأضمّه إلى صدري ليشعر بالسّكينة وأنا أردّد البسملة وأقرأ عليه الفاتحة إلى أن هدأ وتوقّف عن الضّحك وهو في غاية الإعياء ولم يكن إعيائي بأقلّ منه . ....
نسيمة الهادي اللجمي