موضوع: تذكير الغافلين بخطر تتبع عيوب المسلمين! للشيخ أبي عبد الله حمزة النايلي الثلاثاء أبريل 15, 2014 10:52 pm
تذكير الغافلين بخطر تتبع عيوب المسلمين! للشيخ أبي عبد الله حمزة النايلي
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين. أما بعد: إن من سعادة المرء الحقيقية أيها الأحبة أن يُجاهد نفسه التي بين جنبيه، فيلزمها بطاعة رب البريات ويحثها على المسارعة في الخيرات، ويزجرها عن فعل المعاصي والمنكرات، لأنه يعلم أنها مصدر كل شقاء وأصل كل بلاء. يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"فمن عرف حقيقة نفسه، وما طبعت عليه علم أنها منبع كل شر، ومأوى كل سوء". مدارج السالكين (1/220) وإن من شقاوته أيها الأفاضل أن تشغله بما لا ينفعه لا في الدنيا،ولا في الآخرة، بل قد تشغله بما يرجع عليه بالحرمان والخسران،ومن ذلك أن تجعله يصرف وقته في البحث عن عيوب الآخرين والتفتيش عن أسرارهم!وتنسيه عيوبه وزلاته!. يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس، فالأول علامة السعادة، والثاني علامة الشقاوة".طريق الهجرتين (ص271) إن الكثير من المسلمين اليوم-إلا من رحمه الكبير المتعال- قد أصيبوا أيها الكرام بداء قتال ومرض عضال،ألا وهو داء تتبع العورات وتشهير الزلات التي يقع فيها إخوانهم من المسلمين!مع غفلتهم عن عيوبهم!. لذا أصبحت مجالسهم-إلا من رحم الله- عامرة بالغيبة والنميمة والاستهزاء واستحقار الآخرين وتتبع أخطائهم،بدل شكر نعم الله جل وعلا،وذكره سبحانه وتعالى،والمدارسة والتذكير بما ينفعهم في الدنيا والآخرة،والله المستعان. يقول ابن الجوزي –رحمه الله-:"من عرف الشرع كما ينبغي وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم وأحوال الصحابة وأكابر العلماء علم أن أكثر الناس على غير الجادة. وإنما يمشون مع العادة، يتزاورون فيغتاب بعضهم بعضاً،ويطلب كل واحد منهم عورة أخيه، ويحسده إن كانت نعمة، ويشمت به إن كانت مصيبة، ويتكبر عليه إن نصح له،ويخادعه لتحصيل شيء من الدنيا، ويأخذ عليه العثرات إن أمكن". صيد الخاطر (ص96) إن الذي يسعى إلى تشويه سمعة المسلمين،ونشر عيوبهم بين الآخرين،والطعن في أعراضهم!لتنفير الناس عنهم،قد غلبته نفسه الأمارة بالسوء!وأعماه حسده وبغضه لإخوانه،حتى نسي!أو تناسى!تحذير نبينا صلى الله عليه وسلم من هذا الخلق المشين!، فعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال : صَعِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال:"يا مَعْشَرَ من قد أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، ولم يُفْضِ الْإِيمَانُ إلى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، ولا تُعَيِّرُوهُمْ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فإنه من تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ في جَوْفِ رَحْلِهِ".رواه الترمذي(2033)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-. ألم يدرك!!صاحب هذا الفعل الذميم!!أن انشغاله بعيوب غيره!سيحرمه من معرفة زلات نفسه وعيوبها!، وأن اهتمامه بإصلاح عيوبه!سيصرفه عن تتبع هفوات غيره!. يقول الإمام ابن حبان –رحمه الله- :" الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه،فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وأن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمى قلبه وتعب بدنه وتعذر عليه ترك عيوب نفسه،وإن من أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم وأعجز منه من عابهم بما فيه...".روضة العقلاء (ص 125) ويقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :""من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس ...". الفوائد (ص 57) أولم يعلم!!أن من أسباب مرض القلب وقسوته!أن ينشغل عن ذكر الله جل وعلا بذكر عورات الناس!، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:"عليكم بذكر الله فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء ".الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا(203) ألم يبلغه أن الجزاء من جنس العمل؟!،وأن من يعمل سوءا يجز به!،فمن سعى لكشف عيوب أخيه المسلم!عاقبه الله جل وعلا بإظهار عيوبه وكشف عوراته،ومن ستر على إخوانه ستر الله جل جلاله عليه في الدنيا والآخرة،فعن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ الله عَوْرَتَهُ يوم الْقِيَامَةِ،وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ الله عَوْرَتَهُ،حتى يَفْضَحَهُ بها في بَيْتِهِ".رواه ابن ماجه (2546)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-. يقول محمد بن عبد الله بن شاذان -رحمه الله- سمعت زادان المدايني-رحمه الله- يقول:"رأيت أقواما من الناس لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس، فستر الله عيوبهم وزالت عنهم تلك العيوب،ورأيت أقواما لم تكن لهم عيوب، اشتغلوا بعيوب الناس فصارت لهم عيوب".عيوب النفس لأبي عبد الرحمن السلمي(ص12) إن من الواجب على كل مسلم أيها الأحبة الكرام أن يكون ناصحا لإخوانه،مذكرا لهم بما ينفعهم،ومحذرا لهم مما يضرهم في الدنيا والآخرة، ممتثلا في ذلك قول نبينا صلى الله عليه وسلم:" الدين النصيحة "قيل لمن يا رسول الله؟ قال:"لله ولكتابه ولرسوله لأئمة المسلمين وعامتهم".رواه مسلم (55)من حديث تميم الداري- رضي الله عنه-. يقول الإمام الخطابي-رحمه الله-:"وأما نصيحة عامة المسلمين -وهم من عدا ولاة الأمر-، فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم،وكف الأذى عنهم، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم ويعينهم عليه بالقول والفعل،وستر عوراتهم وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم،وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص والشفقة عليهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم،وتخولهم بالموعظة الحسنة وترك غشهم وحسدهم،وأن يحب لهم ما يجب لنفسه من الخير ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه،والذب عن أموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل".شرح النووي على صحيح مسلم (2/39) وعليه أن يستحضر عند ذلك إخلاص النية لله جل وعلا، مع مراعاة شروط النصيحة وآدابها،ومن أهمها أن يكون لينا رفيقا بهم، مع حرصه على أن يكون بذل النصح لهم في السر،لأن ذلك أرجى لتحقيق مراده بعون الله تعالى،وهذا الذي كان عليه سلفنا الصالح-رحمهم الله-،يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله- :"وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد،وعظوه سرا ".جامع العلوم و الحكم( ص82) قيل لمسعر بن كدام –رحمه الله- :"تحب من يخبرك بعيوبك؟،فقال : إنْ نصحني فيما بيني وبينه فنعم،وإنْ قرعني في الملأ فلا".قوت القلوب لأبي طالب المكي(2/371) لأن الجهر بالنصيحة أيها الكرام وإظهارها للعلن دون مصلحة راجحة،يعتبر من الفضح والتعيير لا من النصح والتغيير،يقول الإمام الشافعي–رحمه الله-: "من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه،ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه".حلية الأولياء لأبي نعيم( 9/140) ويقول الإمام الفضيل بن عياض-رحمه الله-:"المؤمن يستر وينصح،والفاجر يهتك ويُعير".جامع العلوم و الحكم لابن رجب(ص82) قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-:"فهذا الذي ذكره الفضيل من علامات النصح ،وهو أن النصح يقترن به الستر،و التعيير يقترن به الإعلان". الفرق بين النصيحة و التعيير لابن رجب(ص36) فعلينا أيها الأفاضل أن نبذل النصح والتذكير فيما بيننا،وأن نشغل أنفسنا بما ينفعنا في الدنيا والآخرة،ولنحذر أشد الحذر من تتبع الهفوات! وترقب الزلات!، فإن الوقت يمضي والساعات تنقضي، وأحدنا لا يعلم متى ينزل الموت بساحته،والله المستعان. يقول ابن الجوزي-رحمه الله-:"ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل". صيد الخاطر ( ص2) فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُشغلنا وإياكم في طاعته، ويُبعدنا عن معصيته، وأن يهدينا جميعا لأحسن الأخلاق ، فهو سبحانه العزيز الرزاق.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تذكير الغافلين بخطر تتبع عيوب المسلمين! للشيخ أبي عبد الله حمزة النايلي