فيما مضى كانت كلّ البيوت تفتح لها على مصراعيها, لم تكن تبخل عليهم بوقتها أو بخدماتها, لم تبخل عليهم بشىء تملكه , كان الجميع يناديها " يا أمّي "حتّى كادت تنسى اسمها .. وكانت سعيدة ... ثمّ ولمّا رحل الكبار تجاهلها من حلّ محلّهم .. انصرف كلّ إلى شأنه ... وصار سكنها تحت سلّم العمارة , لاأحد يكلّمها ولاتكلّم أحدا ..لكنّ " أيمن " الشابّ الصّغير كان يشفق لحالها , وحاول أن يناقش أمرها مع أهله ومع بعض المتساكنين , كان يعرف أنّها صاحبة فضل على الأجداد قبل رحيلهم عن الحياة وعلى من جاء بعدهم , وذكّرهم بأنّ فضلها قد شملهم حين كانوا صغارا لكنّه لم يجد إصغاء من أحد وصاح فيهم "لقد أكلتموها لحما ورميتموها عظما" ولكن ما من مجيب , وظلّ كلّ مساء يقدّم لها الطّعام قائلا :.تفضّلي "يا أمّي" فتحرّك رأسها وتتسلّمه منه بيد مرتعشة .ونظراتها متعلّقة بوجهه وكأنّها ترى فيه كلّ من كان يناديها "يا أمّي" في هذا الحيّ قديما وكان يحسّ ببعض الرّاحة حين يقدّم لها الطّعام . ويقوم على خدمتها كلّ يوم ولم يكن يدري أنّ غذاءها الحقيقيّ الّذي كانت تعيش به والّذي كانت تقاوم به قسوة الحياة هي كلمة " يا أمّي " حين يلفظها كل مساء وهو يقدّم لها الطّعام . استنفذ أيمن كلّ السّبل لإقناع أهل الحيّ بالنّظر في شأن هذه المرأة ولم يظفربحلّ يجعلها تعيش حياة كريمة حينئذ حدّث بأمرها أستاذ العربية ...ومن الغد عاد أيمن إلى الحيّ باكرا صحبة أستاذه ..توقّفت السّيّارة وتقدّم الأستاذ من المرأة قائلا : تفضّلي "ياأمّي " نظرت المرأة إلى أيمن مستفهمة فقال لها تفضّلي "يا أمّي" .... تحاملت على نفسها ونهضت مذعنة للنّداء فلا يمكنها أن ترفض نداء من قال لها" يا أمّي" وانطلقت بهم السّيّارة إلى مبنى كبير حيث استقبلتها الموظّفة قائلة : مرحبا بك "يا أمّي" في بيتك .نظرت المرأة إلى أيمن ..إنّها لم تفهم شيئا ممّا يدور... قال لها أيمن : اطمئنّي "ياأمّي" أنت فعلا في بيتك وبين أيدي أمينة .. هنا ستعيشين عزيزة.. إنّك في بيت الكرامة .. وسأزورك لن أنساك يا امّي .