المتسلّطة

كان الولد الوحيد مع ثمان بنات ....كان هادئا , رصينا , طيّبا , مسالما ...زوّجوه من عائلة كبيرة , وكانت امرأة أمّية حظّها من الجمال قليل جدّا , ومن الأنوثة أقلّ بكثير .... وقد كنت وأنا صغيرة أسمعها تتحدّث وكان حديثها صراخا فأستغرب وأتساءل هل هي امرأة أم رجل وإن كانت امرأة فلم هي تتكلّم بصوت خشن كالرّجال ... وقادت " ف " زوجها وتحكّمت فيه وفعلت كذلك مع بقية أفراد العائلة ..وانصاعوا كلّهم لأوامرها ونواهيها ...كان يبدو أنّهم يحبّونها ولا أدري ماذا تخفي القلوب لكنّ الّذي أعرفه أنّها لم تكن شرّيرة ولم تكن تظلم أحدا وأنّها كانت تدافع عن المظلوم وتستميت في الدّفاع عنه مهما كلّفها الأمر .
أنجبت" ف" البنات والبنين وكبروا وانصاعوا لأوامرها وقدّموا لها فروض الطّاعة والولاء وكانت هي من اختارت لكلّ واحد منهم ماذا يجب أن يدرس وماذا يجب أن يشتغل ...ونجح أبناءها فمنهم الطبيب , ومنهم المحامية , ومدير البنك ...
أصيب زوجها بمرض في قلبه واستوجبت مرضه إجراء عمليّة فصاحبته زوجته إلى فرنسا حيث أجريت له العمليّة ..كان ذلك قبل رأس السنة بليلة واحدةلكنّ حالته ساءت ..أمّا طبيبه الّذي أجرى له العمليّة فقد توفّي ليلة رأس السّنة في حادث مرور ...وتوفّي هو في نفس الأسبوع ...
كنت حاضرة في العزاء حين رأيتها وسمعتها تصرخ وتبكي وتقول : يا ربّي كيف تأخذه وتترك أمّه العجوز , لم أصدّق ما سمعت وما رأيت ونظرت إلى إخوته البنات فلم تحرّك واحدة منهن ساكنا بل كنّ يبكين وينتحبن ..نظرت إلى والدته أحسست أنّها توافق أرملة ابنها...وهنا عرفت كيف أنّ المتّسلّط ظالم لنفسه وإن لم يظلم الآخرين ...فقد يصل به تسلّطه إلى التّطاول على حكم الله ....وإنّه سوء الختام .


نسيمة اللجمي
تونس