لطيفة

لم تتزوّج لطيفة إلاّ وقد احتفلت بزواج إخوتها الأصغر منها , لم تبخل عليهم لا بتعبها ولا بمالها ولا بوقتها... منحتهم كلّ ما وهبها الله من خيرات وشيّعتهم إلى بيوتهم بفرح في القلب وألم في الرّوح لفراقهم بيت الأبوين أوّل و آخر الأحضان الصّادقة ...وأخطأت لطيفة حين ظنّت غير هذا , فلمّا ّ تقدّم أحدهم لخطبتها لم ينل الموافقة من أفراد العائلة لكنّ لطيفة وافقت ...
فوافق الإخوة على الزّوج الّذي لا تتوفّر فيه شروط الزّواج..."" لأنّ لطيفة كبرت ووالدها قد توفّي وأمّها لم تعد تغادر فراش المرض ..فمن للطيفة ؟ "" هكذا قال الإخوة .
انتقلت لطيفة إلى بيت الزّوجيّة وبدأت المعاناة من أوّل يوم لمّا طلب منها مالا وسلّمته ما يريد..وجعل هذا يتكرّر كلّ يوم ...ولطيفة تشتغل وهو يأخذ الرّاتب ...وإن امتنعت يضربها ضربا مبرّحا ..حتّى صار يضربها في الشّارع , وفي مقرّ عملها , وكلّما قلنا لها اشتكيه , طلقيه تقول لا أستطيع ولا ندري لم هي لا تستطيع ...أمّا أنا فقد كنت أعرف أنّه كان يهدّدها بتلفيق تهم مزوّة وأنّه سيشيع عنها أخبارا شنيعة جدّا ...كانت لطيفة قد روت لي ما يحدث لها معه ... وتأكّدتّ أنّ لطيفة لن تستطيع الخلاص أبدا .
أنجبت لطيفة بنتا وفي فترة النّفاس كان يضطهدها ويضربها ....وأصيبت بجلطة أولى ثمّ ثانية
ولزمت الفراش وصارت تسلّم له صكّا ممضى ليقبض راتبها لينفق النّزر القليل منه على البيت ويستحوذ على الباقي.....
كانت أمّها قد توفّيت في الأثناء ولطيفة مقعدة ولم تحضر جنازة والدتها ...أمّا إخوتها فقد كانوا يعتذرون بالشغل وقلّة الوقت وكثرة المسؤوليات ...وكانت زياراتهم قليلة ومتباعدة
لم تكن لطيفة تشكو لأحد لكنّي كنت أعرف كيف أسمعها من خلال بعض الأحداث الّتي أواكبها ومن خلال صمتها الّذي يصرخ في روحي يحدّثني بكلّ عذابها .
وكان آخر عهدي بلطيفة لمّا زرتها قبل وفاتها بسويعات ..ألفيتها وحيدة في البيت مسجّاة على السّرير .. بعث مشهدها في نفسي الوحشة لأوّل مرّة منذ عرفتها , وكان بالقرب منها قارورة ماء لا غير , قلت لها ..يا لطيفة كيف تبقين وحدك ؟ قالت لي بصعوبة ولسان متلعثم :" معي الله " .
نسيمة اللجمي
تونس