لو أنّي أستيقظ يوما ولا أجد الشّجرة المقابلة لشرفتي سأصدم , سأتألّم وسأبكي كثيرا فما بالك بغياب صديقة , أو صديق غيابا مفاجئا وغير مبرّر.... وكلّما افتقدتّ أحدا ولم أجده أتذكّر شجرة العنب وأحسّ أنّه رحل مثلها ولن يعود ..لقد تعلّقت في إدى البيوت الّتي سكنتها بشجرة العنب , وأعتقد أنّها تعلّقت بي , فهي كلّ يوم تزداد اخضرارا وجمالا , إنّها تكبر بسرعة , وأشعر بأنّ قربي يسعدها , لقد مدّت أغصانها لشباكي ودخلت لغرفتي و سمحت لها بل فرحت وقرأت لها ما كتبت عنها فابتسمت , ثم ضحكت بأعذب صوت , كانت ضحكتها عناقيد سمراء جميلة , لم أكن آكل منها , هي صديقتي وما بيننا يمنعني أن أفعل , شجرة العنب كانت الجمال الوحيد في حياتي في تلك الفترة , كانت القلب الوحيد الّذي يسمعني , كانت الشّاهد الوحيد على دموعي , كانت كتومة , كنت أحكي لها , كانت تسمعني , كانت تفهمني وكانت تهديني صمتها سكينة وطمأنينة ,, وذات يوم قالت جارتي لزوجي إنّ شجرة العنب تؤذينا بالبعوض السّاكن فيها , وقلت لزوحي " شجرة العنب تحت شبّاكي وأغصانها ممتدّة داخله ولم أرى بعوضة واحدة كما أنّ المساحة بين البيتين كانت كبيرة " ويبدو أنّه لم يكن يسمعني , لقد قرّر أن يقتلعها , فزعت للخبر واشتدّ رعبي ورجوته أن لا يفعل وحاولت أن أقنعه بأنّ الشّجرة لها أكثر من ثمان سنوات ولم يشتك منها أحد , لكنّه صمّم ولم تفد فيه توسّلاتي ولا رجائي , وكان كلّ يوم يمرّ دون أن يحدث مكروه للشّجرة أحمد الله , و أخبرتها بما سيفعلون بها وبي , قلت لها أنّي لا أتخيّل شبّاكي بدونها , قلت لها أنّها الشيئ الوحيد الّذي أحببته ولم يلحق بي أذى وأنّها الوحيدة الّتي أعطتني ولم تطلب مقابلا وظلّت شامخة كعادتها تسمع ألمي وتشاهد دموعي ولا تفعل شيئا , وأصرخ فيها : افعلي شيئا إن لم يكن من أجلي فمن أجلك, وينتهي صراخي بصمتها وبكائي ...وذات يوم غادرت بيتي لبعض الشّؤون ولمّا عدتّ صدمني مشهد لا أخال أنّه سيفارقني إلى أن أفارق :رأيت شجرة العنب مكوّمة تحت شبّاكي , لقد نفّذوا فيها حكم الإعدام وكنت غائبة , أتراها نادتني , هل هي استنجدت بي , وكيف تمكّنوا من فكّ أذرعتها الملتفّة حول قضبان شبّاكي حبّا وعشقا وحنانا , وأصبت بانهيار وأنا أشاهد أشلاء صديقتي الخضراء وأسرعت إلى غرفتي أبكي وأتجنب رؤية الشّباك العاري , منذ ذلك اليوم كرهت غرفتي ولم اعد اطيق البقاء فيها إلى أن غادرت ذلك البيت ولم تغادر شجرة العنب قلبي .
نسيمة اللجمي